في 11 تمّوز/ يونيو 2022، شاهد العالم صورة ساحرة للكون السحيق من نافذة جديدة وفّرها مسبار وكالة الفضاء الأميركيّة (ناسا) الجديد المسمّى تلسكوب جيمس ويب الفضائي.JWST وتعود التسمية إلى جيمس إدوين ويب (1906 – 1992) الذي شغل منصب مدير ناسا بين عامي 1961 و1968
نافذة جديدة على الكون
في 11 تمّوز/ يونيو شاهد العالم صورة ساحرة للكون السحيق من نافذة جديدة وفّرها مسبار وكالة الفضاء الأميركيّة (ناسا) الجديد المسمّى تلسكوب جيمس ويب الفضائي - JWST. تعود التسمية إلى جيمس إدوين ويب (1906 – 1992) الذي شغل منصب مدير ناسا بين عامي 1961 و1986 وبالتالي أشرف على كل المهام المأهولة الأولى الحاسمة والتي قادت الى برنامج أبولو والهبوط على سطح القمر.
ويُعد هذا التلسكوب، بتكلفة 10 مليارات دولار، أكبر وأقوى تلسكوب فضائي تم بناؤه حتى الآن، وهو خليفة تلسكوب هابل الفضائي. يبلغ عرض JWST 5.6 أمتار، ومرآته أكبر بثلاث مرات تقريباً من تلك الموجودة في تلسكوب هابل. كما أنه يرى موجات الأشعة تحت الحمراء حيث تظهر المجرات البعيدة جداً. هو الآن على بعد مليون ونصف كلم من الأرض حيث التقط صورته الأولى هذه التي تُعتبر أعمق صورة للكون حتى الآن، إذ تعود بنا إلى حوالي 13 مليار سنة من بداية الكون؛ أي بعد الانفجار العظيم. من ضمن الأسئلة التي سيساعد JWST في الإجابة عنها هي: هل توجد حياة على الكواكب الأخرى؟ كيف تشكلت النجوم الأولى؟ ماذا حدث في الأيام الأولى المضطربة للكون بعد الانفجار العظيم؟
في 12 تمّوز/ يونيو، نشرت ناسا صوَراً جديدة تضمّنت مكان ميلاد نجم، وسديم (nebula) مُحاط بنجم محتضر، ومجموعة من المجرات المتفاعلة بشكل وثيق، بالإضافة إلى الطّيف الأول لضوء كوكب خارج المجموعة الشمسية.
وللمهتمين، فقد دوّنت أدناه بعض الملاحظات عن الصوَر المنشورة لمسبار جيمس ويب JWST:
بعكس مسبار هابل، تمّ تصميم JWST لالتقاط الأشعة تحت الحمراء، وليس الضوء المرئي (فقط القليل من الأحمر والبرتقالي)، لأن معظم الأجسام البعيدة في الكون تبتعد عنا بسرعة كبيرة، نتيجة لتأثير دوبلر، بحيث يمتد الضوء المنبعث منها من الأشعة المرئية إلى موجات الأشعة تحت الحمراء الأطول.
في الصورة الأولى (أعلاه)، سافر الضوء من الأجسام الكونيّة لأكثر من 13 مليار سنة للوصول إلى التلسكوب، وهذا يلازم أقل من مليار سنة من الانفجار العظيم. وباستثناء 6 نجوم يمكن تمييزها بسهولة بسبب الأشعة المثمنة المحيطة بها، فإن كلاً من النقاط الأخرى في الصورة عبارة عن مجرّات تحوي مليارات من نجومها.
الصورة الأولى الشهيرة لـJWST ملونّة زائفة (كما سائر صوَر هذا المسبار) يعني هذا أنها ليست الصورة التي التقطها المسبار، فهي صورة بأشعّة تحت الحمراء لكن الكومبيوتر أضاف إليها الألوان، تماماً كما أضاف إلى صوَر هابل غير الملوّنة أساساً.
المجرّات الأكثر بعداً في الصورة الأولى تظهر كأقواس دائريّة صفراء، تتمحور حول مجموعة متداخلة من المجرات البيضاء الأكثر إشراقاً. إنها مرئية فقط لأن الجاذبية الناتجة عن كتلة هذه المجرّات تؤدي إلى انحناء الزمكان حولها وبالتالي إلى انحناء الضوء المنبعث باتّجاه المشاهد، مما يؤدي إلى تكبير الأجسام البعيدة من خلفها. هذا يُسمّى "عدسة الجاذبيّة" تماماً كما تفعل عدسة التلسكوب.
إحدى المهام الرئيسية لـJWST هي في العثور على "الضوء الأوّل"، أو الأشعة الضوئيّة الناتجة عن تشكّل أوّل النجوم والمجرّات. هذا فد يتضمّن أجوبة مرجوّة عما إذا كانت الثقوب السوداء الموجودة في وسط بعض المجرّات تسبق أو تتكوّن بعد تشكّلها. كما وإجابات عن المادة المظلمة التي تشكّل الجزء الأكبر من كتلة المجرّات في الكون.
خماسيّة ستيفان، التي هي عبارة عن مجموعة من خمس مجرّات متراصّة على بعد 290 مليون سنة ضوئية، رُصدت للمرّة الأولى في عام 1877. التقط JWST أكثر من 1000 صورة تمّ لصقها بعضها البعض لتشمل كل منطقة المجرات الخمس. في الصورة، التي نُشرت في اليوم التالي، تظهر أربعة من هذه المجرات الخمس أثناء تحرّكها تحت تأثير جاذبيتها. وفي خضم تفاعلها هذا، يتحرّف شكل ثلاثة منها كما هو ظاهر عبر الشد والسحب. ويمكننا رؤية انبثاق عدد من النجوم الناشئة داخلها.
واحدة من المهام الأساسية الأخرى لـJWST هي استكشاف الغلاف الجوّي للكواكب البعيدة وطبيعة مكوّناته في محاولة لاكتشاف بصمات حياة أو كواكب مؤهلة للحياة. فنشرت ناسا طيف الضوء المرصود من كوكب عملاق بحجم كوكب المشتري، WASP-96، يقع على بعد أكثر من 1000 سنة ضوئية من الأرض ويدور حول نجمه كل 3-4 أيام. التحليل الطيفي يُثبت وجود بخار الماء في غلافه الجوي. وأهميّة هذا القياس تُدرك عندما نستذكر حالة كوكب الأرض. لم يظهر الأوكسجين في غلاف الأرض الّا بعد مليارات السنين من تشكّل الكوكب، تحديداً منذ ما يُقارب الـ2.33 مليار سنة، فيما يُسمّى بحدث الأكسجة العظيم، واستغرقت العمليّة حوالي الـ10 ملايين عام ليستقر على نسبة 21%من الهواء (ولا نعرف لماذا هذا الرقم!).
ولرهبة المشهد هذا كلّه، فإن قياس هذه النافذة على الكون هو بمثابة حبة رمل فقط، جعلت العالم يستذكر مطلع قصيدة الشاعر الانكليزي وليم بلايك (1757 – 1827) الشهيرة:
"لترى العالم في حبة رمل،
والسماء في زهرة بريّة،
اجمع اللامتناهي في راحة اليد
والأبديّة في ساعة واحدة"
إنها بدون شك البداية لمسيرة ستكون مثيرة للغاية في السنوات المقبلة!
Related Posts
أستاذ الكيمياء الفيزيائية في الجامعة الأميركية في بيروت.